Morocco
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

"تجاذبات المكان والذاكرة" .. نظرة إلى عمارة القرى في واحات جنوب تونس

في كتابها “تجاذبات المكان والذاكرة.. السكن الواحي التقليدي في الجنوب التونسي نموذجا”، والصادر عن معهد الشارقة للتراث، تلقي الدكتورة زينب قندوز غربال الضوء على عمارة وبيئة تلك القرى في واحات الجنوب التونسي، والتي تُعد فضاء سكنيا وَضَعَتْ خطوطه العريضة بيته، ورسمت ملامحه خبرات متوارثة جُسدت في تصاميم مساكنها.

وتجول غربال، عبر صفحات الكتاب، بين منازل تلك القرى والمدن، التي تتوسط الواحة أو تحاذيها صحراوية كانت أو بحرية، أو واحة جبلية، ولكل منها خاصيتها المناخية، ويكون تأثيرها مباشرا في مجمل السكن الذي يُبني من مواد خام أولية، ويُجاري عاملي المناخ والطقس كمؤثرات خارجية ويتطور وينمو مجاله ، ليكون البناء نفسه نتاجا لهذا التفاعل.

وتلفت المؤلفة إلى أن المسكن الواحي صورة للعمران التقليدي بأشكاله وأساليبه وأدواته، وخاصة أن المبنى يحاكي كل ذلك من خلال احتضانه مواد وأدوات بناء هي خامات لمجاله، وتوجد نماذج وصور لأشكال معمارية هي، قبل أن تكون عملا هندسيا وتصنف في خانة العمارة، مُنتج لمجالها البيئي.

وتأتي فصول كتاب “تجاذبات المكان والذاكرة.. السكن الواحي التقليدي في الجنوب التونسي نموذجا”، لمؤلفته الدكتورة زينب قندوز غربال، لتكون بمثابة قراءة في الفضاء الداخلي للسكن الواحي التقليدي مبنى ومعنى، ودراسة لهذا الحيز المكاني من زوايا مختلفة.

وتبحث غربال، من خلال فصول وصفحات كتابها، في مبْنى السكن الواحي التقليدي بالجنوب التونسي بمختلف تفاصيله واجهة، وفتحات ومنافذ، وغرفٌ ومطارِحَ وما تحمله من دلالات في معنى المبنى.

وهي تؤكد على “أحقية ترسمُ مفردات الحوش في غياب المدلول، فحضور هذا الأخير متصل بوجود الدال مما يفضي إلى صياغة مفاهيم متوارية؛ علها روح الفضاء المادية تترجم مخططا وتوزيعا لأفضية وفق حاجات مستخدمي الحيز السكني ، كذلك نسق تأثيث الفضاء الداخلي وتنظيم مكوناته.

وتسجل فصول الكتاب حضورا آخر للمكان والذاكرة في السكن الواحي، الذي ربما يمثل “امتدادا خارجيا لمخيلة الفرد وذاكرته”، مبينة للقارئ أن هذا يعني أن الذاكرة تمثل ما غاب عنها، “إلا أن ما تتخيله ليس معدوم الوجود، بل هو من المعين الإنساني على اعتبار أن الذاكرة فعل إنساني، ما يجعل العلاقة بين الحافظ والمحفوظ معلومة بالضرورة في الوجود، فيما يصادفه الإنسان وما يقع له ويحتفظ به أو يتخيله بعد فقدان أثره”.

وترسم مؤلفة الكتاب صورة دقيقة التفاصيل للسكن الواحي التقليدي في الجنوب التونسي، كفضاء سكني تقليدي مشبع بالرموز، مشيرة إلى أن تلك الرموز علها علامات الذاكرة أو هي ذاكرة مُعلمةٌ، تعترضك أينما أوليت نظرك في السكن بأدق تفاصيله؛ فهو، أي السكن، مخزون ذاكراتي متجدد.

وقالت الكاتبة: “لعل الاشتغال في الحيز المكاني- بتكراره – يصبح خاصية من خصائصه يُشكل على مر الزمن ذاكرة المكان، سواء أكان الفعل ماديا أو معنويا نجد له تطابقا على محمل السكن يتجسد علانية بتراكب العلامات والرموز أو في آداب التعامل مع الفضاء الداخلي”.

وأضافت: “علها تلك العلامات على الفضاء السكني هي علامات الذاكرة، ولعل تعدد تلك الرموز البصرية يُخلد فعل التذكر.. أو لعل الفضاء السكني هو الذاكرة، فهو مجال سكني أمكنه استيعاب كل متغير على اعتبار أنه جزء من المكان أو هو المكان ذاته، مُحاط بمؤثرات داخلية وأخرى خارجية، في تبعية لمواد أولية، يجاري الزمان حاضره، عاش ماضيه ليحيا مستقبله، فالزمان لغة المكان والمكان حديث الذاكرة”.

ويطرح الكتاب الكثير من التساؤلات المتعلقة بتلك الأبنية ذات الطابع الخاص، ويجيب عن تلك الأسئلة بأجوبة شافية وكافية.

ويقدم الكتاب الكثير من التفاصيل عن السكن الواحي في الجنوب التونسي، الذي يتفرد بواحاته التي توصف بأنها من أجمل واحات المغرب العربي، والتي تمتد من قابس إلى قفصة، مرورا بتوز ونفطة، ودقاش، وغير ذلك من المناطق التي تحوي بين جنباتها واحات وقرى ذات مساكن جذبت مؤلفة الكتاب لدراستها، وتسليط الضوء على تاريخها، والمواد الطبيعية التي استخدمت في بنائها، وعلاقتها بالمناخ والبيئة المحيطة بها.

يُذكر أن المؤلفة الدكتورة زينب قندوز غربال هي باحثة وأكاديمية تونسية، متخصصة في الهندسة المعمارية، وباحثة في أنثروبولوجيا العمارة، وهي حاصلة على درجة الماجستير في مجال جماليات وتقنيات الفنون وعلى درجة الدكتوراه في علوم التراث.