Syrian Arab Republic
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

علي الرباج: فلسطين بين التنسيق المدنس والاشتباك المقدس

علي الرباج

خلال متابعتي لأحداث فلسطين على بعض المنصات الإعلامية وكذا بعض القنوات يوتيوب، تبدو الأوضاع في الضفة ملتهبة، سواء في رام الله ونابلس او في غيرها من مدن الضفة، فعلى ما يبدو، السلطة الفلسطينية لا تدخر جهدا في مطاردة الأبطال حاملي لواء الجهاد في الضفة، بل حتى أنها لا تتوانى في مهاجمة أهالي الشهداء أو المختطفين في سجونها، إذ قبل أيام داهم جنودها بيت المختطف القائد “مصعب الشتية”، واعتدت القوات على العائلة أمام ذهول الأهالي.

تحت شعار “التنسيق المقدس” بين السلطة وسلطات الاحتلال، أمست السلطة الفلسطينية جنديا إسرائيليا لا يختلف عن باقي الجنود، له مهام محددة، كما له رقم مالي يتلقى أجره كل شهر من تل أبيب.

لا يشك أحد من العقلاء أن أوسلو 1993، ستخلد كيوم نكبة لا يفرق عن النكبة الأولى بكثير، فبموجب هذه المعاهدة المشؤومة التي وقعها ياسر عرفات مع الاحتلال بتنسيق مع الحكومة النرويجية(حزب العمال) آنذاك، ثم بدعم أمريكي في شخص الرئيس بيل كلينتون، اعترف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل، على أن تضع إسرائيل الضفة وغزة في يد المنظمة على مراحل ثلاث، وهو ما حاول ياسر عرفات وعباس وقيادات وصفه بالاستقلال، والذي يعلم الجميع أنه مجرد محاولة للخداع، وما حدث كان لعبة سياسة لعبها عرفات ومنظمة التحرير للحيلولة دون تمثيل الفلسطينيين من فصيل سياسي آخر.

كان ياسر عرفات يدرك أن الفلسطينيين اكتشفوا اللعبة التي يلعبها، ففي العلن يخرج عرفات ليصرخ ويعلن الجهاد والمقاومة، وفي الخفاء يبحث مع المقربين من الإسرائيليين عن مساومة تضعه ومنظمته كممثل وحيد الفلسطينيين، في محاولة منه للحيلولة دون وصول أطياف أخرى على رأسها الحركة الإسلامية التي بات يتزعمها الشهيد “أحمد ياسين”، وبهذا وقع عرفات معاهدة أوسلو التاريخية؛ التي قدمت لإسرائيل حلا لم يطن ليخطر على البال؛ فعوض أن تشغل بالها بالضفة وجدت شرطيا مخلصا يلعب دوره بطل أمانة وصدق، بل وقد يتجاوزها في إذلال الفلسطينيين.

ربما يبدو لغير المتابع أن هذا الكلام قاس بعض الشيء، فالسلطة الفلسطينية ستبقى فلسطينية ولن تتحول لإسرائيلية.

لكن المتابع للأوضاع في الضفة سيبصم بالعشرة على ما ذكرته، بل سيزيد عليه كلاما أشد قسوة، وهذا هو الواقع الفلسطيني، فإسرائيل تعمل على ملاحقة المقاومين واغتيالهم والسلطة الفلسطينية تراقبهم وتقدم المعلومات عنهم وتسهل الاقتحامات وتتغافل عنها، فلنأخذ مدينة نابلس كمثال.

في كل مرة تقتحم القوات الإسرائيلية نابلس، لم يحدث مرة أن تدخلت قوات السلطة واشتبكت مع المقتحمين؛ والملاحظ أنها تختفي حين الاقتحام فلا يكاد يرى أي عنصر منها، وتظهر مباشرة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية؛ حتى بات اختفاء عناصر السلطة مؤشرا للاقتحام الاسرائيلي!

فكيف يمكن تفسير هذه الظاهرة؟

بل إن محافظ نابلس حين سئل عن المقاومة في المدينة نعت أمهات المقاومين بلفظ سيء للغاية، ولمز وهمز في المقاومين البواسل، والتسجيل موجود على اليوتيوب.

كذلك -كما سبق وأشرنا- تعتقل السلطات الفلسطينية المقاومين وتشتبك معهم في أحيان كثيرة، وتقتحم منازل أهلهم وتجرهم للتحقيق نكاية في المقاومين.

كما لا يخفى على أحد في فلسطين أن سلطة أسلو، تضغط على المقاومين في الضفة من أجل تسليم سلاحهم، والكف عن مقاومة الاحتلال، وهذا أمر لا تتحرج منه حكومة فتح، فياسر عرفات لطالما تغنى بمقولة “الأرض مقابل السلام”، وعباس سبق وصرح مرارا وتكرارا بأنه يرفض رفضا باتا أن يطلق الفلسطيني رصاصة واحدة على إسرائيل، وطالب ببناء “جسر حب بين الطرفين”، وحين لم تحقق إسرائيل حلمه ببناء جسر الحب، بل حفرت بنادقها قبور الشهداء والمجاهدين والأطفال، ظهر في الأمم المتحدة وهو يصرخ “يا عالم احمونا!”، فيرد العالم الذي يفهم قصة عباس وشلته “نخاف نجي نحميك، ننسجن عندك!”.

وهذا ما سيحدث غالبا، فأي شخص أراد الدفاع عن فلسطين بسلاحه سيجد السلطة الفلسطينية في وجهه قبل حكومة الاحتلال، فبالتالي لا معنى لصراخ أبو مازن، وكل ما في الأمر أنها لقطة إعلامية يتقنها قادة فتح كثيرا، ففي العلن يصرخون وفي الخفاء ينسقون ويستثمرون أموالهم في إسرائيل.

وحين نفق بيريز أسرع أبو مازن وجماعته لتعزية إسرائيل، ولم يستحوا وهم يقدمون العزاء لإسرائيل، بل ذهب أحد رجالهم بعيداً فقال:” لو كان رسول الله بيننا لعزى في بيريز!”، فهل يعقل أن يأمن المرء نفسه لأشخاص كهؤلاء؟

ولنكون منصفين، يوجد داخل صفوف حركة فتح وداخل السلطة الفلسطينية رجال لا يبيعون وطنهم بل وكثير هم الذين ارتقوا شهداء بعد اشتباك مع القوات الإسرائيلية، وهم اليوم في جنين جنبا إلى جتب مع الشباب يردون كيد الصهيون.

– الاشتباك المقدس..من جميل العموري إلى النابلسي

لطالما كانت  غزة في نظر الكل معقل المقاومة، حيث أن الضفة هي معقل جماعة أوسلو، لم تعرف مذ سنوات أي نشاط  مسلح منظم، لكن الوضع سيتغير بداية من سنة 2021.

  من وسط مخيم جنين بزغ نجم جميل العموري، الشاب الذي جاء دون سابق إنذار ليسطر ملحمته الخاصة دون الحاجة لهوميروس، ويعيد أمجاد المقاومة دون الاتكال على تنظيم سياسي، ويشعل في أزقة مخيم جنين نار الاشتباك المقدس.

ففي الوقت الذي أراد أهله أن يشتري السيارة لكسب قوت يومه وتأسيس أسرته، كان لجميل رأي آخر، ومشروع يتجاوز مشاريعنا، وهكذا سيبيع جميل سيارته، ليشتري بنادق له ولأصحابه، وأعلن في بيان مسجل رسالته للشباب الفلسطيني عامة وشباب جنين خاصة، قائلا:

“أسلحتكم أمانة، ورصاصاتكم غالية، فلا تطلقوها في الهواء ووجهوها للمتحل”.

وبهذا وضعت أول لبنة في درب “الاشتباك المقدس”، الذي سرعان ما انتقل من جنين نحو باقي المدن، وبالأخص نابلس، إذ سيعمل شباب من المدينة على زيارة الشهيد جميل العموري، ومن هؤلاء شهداء نابلس ” عبود الصبح، محمد العزيزي، محمد الدخيل، أدهم مبروكة، إبراهيم النابلسي”.

سرعان اشتعلت الاشتباكات في جنين ووفي نابلس، وفي كل مرة تقتحم القوات الإسرائيلية تمطرها بنادق الشباب بوابل من الرصاص، يرفض عليها التراجع أو ينتهي الاشتباك بمصرع جنود واستشهاد مقاوم فلسطيني، ومع أن كلاهما يموت، لكن شتان بين هذا وذاك، بين العميل والشهيد.

وإن كان رجال أبو مازن يفكرون في الدنيا ويجمعون لها، فحُّق لهم أن يرفضوا المقاومة، بل ومن الطبيعي أن ينسقوا مع الاحتلال، وأما شباب الاشتباك المقدس، لا يرجون من الحياة سوى نيل الشهادة، ففي الوقت الذي يستثمر أبو مازن وابنه البكر أموالهم  في تل أبيب، يستثمر الشباب المقاوم أمواله في تجارة لن تبور، رأس مالها الإيمان، لا خسارة فيها، ومكسب ما لم يخطر على قلب بشر، وهكذا يخسر رجال “التنسيق المدنس” الدنيا والآخرة حين يظنون أنهم يربحون إحداهما، ويكسب الشهداء الدنيا والآخرة معاً.

وكما هي رغبة شهداء المقاومة، تنطلق الزغاريد تزف الشهداء الكرام، وتشهد لهم الدنيا بأنهم كانوا للعدو الند بالند، وتخلد أسماءهم في صحائف العز ينهل من مائها العذب جيل تلوى جيل، ويقول الكرام “هنا كان جميل يشحذ الهمم، وفي هذه الأزقة تجول الدخيل ووقف الشيشاني، وتلكم الزاوية تشهد على النابلسي والكر والفر”.

استطاعت قوات الاحتلال بعد سنوات وأشهر وباستخدام الجواسيس والعملاء، اغتيال المقاومين في جنين وعرين الأسود، فاستشهد كل القائد جميل العموري، والقائد عبود الصبح، والقائد محمد العزيز، والقائد أدهم مبروكه الملقب بالشيشاني، والقائد إبراهيم النابلسي، والقائد وديع الحوَح.

استشهادهم لم يحبط العمل المسلح بل زاده توهجاً؛ عملا بوصية النابلسي قبل استشهاده “لا تتركوا البارودة”، وعوض أن ترتاح السلطات الإسرائيلية ومعها السلطة الفلسطينية، أصبحتا أكثر توجسا، فقد باتت الضفة الغربية تشهد تنسيقا بين المقاومين، وتعرف بين الفينة والأخرى عمليات منفردة، لقد استعرت نار الشهادة في قلوب الشباب الفلسطيني في الضفة، وأضحى كل من يمتلك السلاح يتجه نحو إحدى الكتائب المقاومة، ونحن اليوم أمام غزة جديدة ولا شك ستشهد السنوات القادمة انتفاضة جديدة تقودها الضفة الغربية، ومعها ستنتخي غالبا سلطة أوسلو، خاصة وأن أبو مازن في وضع صحي حرج، ويصعب على إسرائيل أن تجد رجلا وفيا كأبو مازن.

أصبحت رصاصات الشباب ترعب كيان المحتل بينما تصوب رصاصات السلطة الفلسطينية اتجاه الفلسطينيين خدمة للمحتل وعملا بتوصيات مهزلة أوسلو، ولكن الفلسطيني  اختار مصيره مسبقاً، ولم يعد يؤمن بخرفة أوسلو.

– خاتمة لابد منها

في بحث استقصائي أجري بالضفة ، أقر 80% من الفلسطينيين بعدم رضاهم عن السلطة، بينما عبر 7% فقط عن رضاهم بعملها، فيما امتنع 3% عن التصريح، واختاروا الحياد. ماذا يعني هذا؟

يعني أن التنسيق لن يدوم ومآله معروف، بينما الاشتباك هو المستقبل، وبين ثنايا السمرا(لقب البندقية) تحرير الأقصى، لا بين ردهات الأمم المتحدة ومحكمة لاهاي، والبقاء لمن باع دنياه بآخرته، والخزي لمن باع دنياه بدنيا غيره.

لقد اختار الفلسطينيون الخيار الصحيح مذ أول يوم من أيام الاحتلال، اختاروا الاشتباك مع العدو ورفضوا التفاوض، حتى جاءت بدعة التنسيق، كمحاولة لنسف أحلام تحرير فلسطين ومبررهم أنه يستحيل طرد الصهاينة، مع أن التاريخ لا يعترف بالجبناء، وقد باءت بالفشل كل محاولات جماعة أوسلو، والدليل على ذلك عرين الأسود في نابلس ومقاومة جنين ومخيمة البلاطة والذئاب المنفردة.

وربما يشكو البعض من طول المدة وقوة السلطة الفلسطينية والإسرائيلية، وإحكام قبضتهما على فلسطين وأهلها، إلا أن التاريخ علمنا، أنه لا ثبات على حال، وكما يقال “دوام الحال من المحال”، وكلما استعرت الاشتباكات وتجدد النزال وخرج من بطن فلسطين جميل والنابلسي، فإن التاريخ يحكم بأحكامه.

ربما قد يساور البعض الشك وتعصف به الظنون خاصة بعد مرحلة التطبيع ومع سياسة الأرض المحروقة التي تمارسها إسرائيل في الضفة، إلا أن مشيئة الله أقوى وحكم التاريخ أعنف، فالله تعالى وعد المؤمنين بالنصر، والتاريخ يقر بانتصار أصحاب القضية العادلة، وليس هناك أسمى وأعدل من القضية الفلسطينية، بل إن القضية الفلسطينية هي مقياس الإيمان بالنسبة للمؤمنين، والإنسانية لغيرهم،

فلا إيمان لمن لا يدعم فلسطين  ولا إنسانية لمن يدعم الصهيونية.

والقضية الفلسطينية هي القضية التي لا حياد فيها، ومن يدعي الحياد فهو أجبن من أن يصرح بدعمه للصهيونية، وخيانته للقضية الفلسطينية.

Print This Post