UAE
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

الأثرياء الأميركيون وجنون العظمة الفكرية

في الآونة الأخيرة، عبَّر بيتر هوتز، عالم اللقاحات البارز الذي طالما استهدفته تحرشات مناهضي الحصول على اللقاحات، عن بعض الحيرة في تدوينة على موقع إكس، المعروف سابقاً باسم تويتر.

وأشار إلى أن كثيرين من الذين سخروا منه كانوا أيضاً «مولعين بعملة بيتكوين أو العملة المشفرة»، وقال: «لا يمكنني الربط بين النقاط في هذا الأمر». حسناً، يمكنني المساعدة في ذلك.

ومرحباً بك أيضاً في عالمي. إذا كنت تتابع بانتظام المناقشات حول السياسة العامة، وخاصة تلك التي يشارك فيها أرباب التكنولوجيا الأثرياء، فمن الواضح أن هناك علاقة قوية بين العناصر الثلاثة: إنكار المناخ، وإنكار لقاح كوفيد-19، والولع بالعملات المشفرة. لقد كتبتُ عن بعض هذه الأشياء من قبل، في سياق حماس وادي السيليكون لروبرت إف كينيدي الابن. وفي ضوء حيرة هوتز، وكذلك صعود فيفيك راماسوامي، وهو شخص غريب الأطوار، ولن يحصل على ترشيح الحزب الجمهوري، وإن كان قد يصبح نائباً لدونالد ترامب.. أريد أن أقول أشياء أخرى عن القواسم المشتركة بين هذه الأشكال المختلفة من الخبل ولماذا تجتذب الكثير من الرجال الأثرياء. العلاقة بين المناخ وإنكار اللقاحات واضحة؛ وفي كلتا الحالتين يكون لدى المرء اتفاق آراء علمي مبني على النماذج والتحليلات الإحصائية. لكن الأدلة التي تدعم اتفاق الآراء هذا لا تجابه الناس كل يوم. فالمرء يقول إن الكوكب يسخن لكن الثلوج تتساقط في الصباح!

وهل تقول إن الحصول على اللقاح يحمي من فيروس كورونا؟ حسناً، أعرف أشخاصاً لم يحصلوا على اللقاح ويشعرون بصحة جيدة، وقد سمعتُ قصصاً (مضللة) عن أشخاص أصيبوا بسكتات قلبية بعد تلقيهم اللقاحات.

وبعبارة أخرى، لكي تقدر اتفاق الآراء العلمي، يجب أن يكون لديك بعض الاحترام لمؤسسة البحث بأكملها، وأن تفهم كيف يتوصل العلماء إلى استنتاجاتهم. وهذا لا يعني أن الخبراء على حق دائما ولا يغيرون رأيهم أبدا. إنهم ليسوا كذلك، ويغيرون رأيهم أحيانا. فعلى سبيل المثال، في المراحل الأولى من جائحة كوفيد-19، عارض كبار مسؤولي الصحة استخدام الكمامات على نطاق واسع، لكنهم عكسوا مسارهم في مواجهة الأدلة الدامغة، لأن هذا هو ما يفعله العلماء الجادون.

وبوسع المرء أن يفهم كيف أن الشخص في الشارع قد لا يفهم ما يدور حوله البحث العلمي. لكن قد تعتقد أن رجال الأعمال، وخاصة الذين كسبوا المال من التكنولوجيا، سيقدرون قيمة البحث والخبرة الفنية. وكثيرون منهم يفعلون هذا. لكن هناك قوى تعمل في الاتجاه المعاكس. فالنجاح يغذي بسهولة الاعتقادَ بأنك أكثر ذكاء من أي شخص آخر، ولذا بوسعك إتقان أي موضوع دون بذل جهد كبير لفهم المشكلات أو استشارة الأشخاص الذين لديهم مشكلات، وقد يكون هذا النوع من الغطرسة منتشراً بشكل خاص بين أرباب التكنولوجيا الذين أصبحوا أثرياء من خلال تحدي الحكمة التقليدية. ويميل الأثرياء أيضاً إلى إحاطة أنفسهم بأشخاص يخبرونهم بمدى تألقهم أو بأشخاص أثرياء آخرين ينضمون إليهم في التأكيد المتبادل على تفوقهم. إذن، كيف نضيف العملات المشفرة؟ يكمن وراء ظاهرة العملات المشفرة برمتها اعتقاد بعض أنواع التكنولوجيا بأنها قادرة على اختراع نظام نقدي أفضل من النظام الحالي، كل ذلك دون التحدث إلى أي خبراء نقديين أو معرفة أي تاريخ نقدي. في الواقع، هناك اعتقاد واسع النطاق بأن نظام النقود الورقية الذي أصدرته الحكومات منذ أجيال هو نظام خادع سوف ينهار ويتحول إلى تضخم مفرط في أي يوم!

ومن هنا، على سبيل المثال، إعلان جاك دورسي في عام 2021 أن «التضخم المفرط سيغير كل شيء.. إنه يحدث». والآن، أنا على استعداد تام للاعتراف بأن الاقتصاد النقدي ليس علماً قويا مثل علم الأوبئة أو علم المناخ. نعم، حتى الاقتصاديون غير المهووسين يجادلون حول بعض القضايا الكبرى أكثر بكثير من نظرائهم من ذوي العلوم الأرسخ قدماً. لكن الاقتصاد رغم ذلك، كما كتب جون ماينارد كينز، «موضوع فني وصعب» وهو موضوع يجب على المرء ألا يدلي بتصريحات بشأنه دون دراسة نظريات كثيرة، على الرغم من أن «لا أحد سيصدق هذا».

ومن المؤكد أن الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يفهمون المناخ بشكل أفضل من علماء المناخ ويفهمون اللقاحات أفضل من الباحثين في مجال الصحة العامة.. من المرجح أيضاً أن يعتقدوا بأنهم يفهمون المال بشكل أفضل من الاقتصاديين، وأن يعتقدوا في كل مرة يخبرهم فيها الخبراء أن العالم لا يعمل بالطريقة التي يعتقدونها أن الأمر ينطوي على نوع من الخدعة أو المؤامرة.

ومن المؤكد أن كثيراً من الاضطرابات في الآونة الأخيرة في صناعة العملات المشفرة جعلت الاقتصاديين يتساءلون: ألم ينظر هؤلاء الأشخاص في نظرية وتاريخ عمليات سحب الأموال من البنوك؟ والجواب بالطبع هو أنهم لم يعتقدوا أنهم بحاجة لهذا. صحيح أنه كان هناك دائماً أثرياء مخبولون.

هل أصبح الأمر أسوأ؟ أعتقد أن الأمر أصبح كذلك. بفضل الطفرة التكنولوجية، من المحتمل أن يكون هناك عدد أكبر من المهووسين الأثرياء مما كان عليه الأمر من قبل، وهم أكثر ثراء من أي وقت مضى. كما أن لديهم جمهورا أكثر تقبلا في صورة الحزب الجمهوري الذي انهارت ثقته في المجتمع العلمي منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ولذا، ورداً على هوتز، فإن النقاط متصلة بالفعل. والتحريض المناهض للقاحات والحماس للعملات المشفرة يشكلان جانبين من صعود أوسع لمذهب اللاأدرية الذي تكمن قوته الأعظم في مجتمع توالدي فكرياً من الرجال الأثرياء جداً.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

*أكاديمي أميركي حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد