Morocco
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

التهامي المدغري.. عميد شعراء ملحون "المرأة" وصديق الأمير منفيُّ السلطان

7/12

الملحون “ديوان المغاربة” الذي يعكس غنى رؤاهم وتوجهاتهم ومعيشهم وتجاربهم، ويختزل كل ذلك في قصائد شفهية ومكتوبة بدارجة رفيعة مقفاة تمدح الرسول، أو تعظ الناس وتشاركهم الحكم، أو تنبههم إلى الأخلاق المذمومة، كما تتغزل أو تتغنى بالجمال أو بما تشتهيه الأنفس.

لجنة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية جمعت في سلسلة “التراث” أبرز دواوين الملحون المغربيّ وأعدتها، فوضعت “موسوعةُ الملحون” على الرفوف، قبل ثلاث سنوات، جزأها الحادي عشر الذي نظمه الفقيد الحاج أحمد سهوم، ليجاور دواوين: عبد العزيز المغراوي، والجيلالي امتيرد، ومحمد بن علي ولد ارزين، وعبد القادر العلمي، والتهامي المدغري، وأحمد الڭندوز، وأحمد الغرابلي، وإدريس بن علي السناني، والمولى عبد الحفيظ، ومحمد بن علي المسفيوي الدمناتي.

تروم سلسلة هسبريس هذه تقديم بعض من قصائد الملحون المغربية، وناظميها، وبيان عمق مضامينها، وما تحمله من غنى، انطلاقا من العمل التوثيقي المعنون بـ”موسوعة الملحون” الذي أشرف عليه عضو أكاديمية المملكة المغربية عباس الجراري وعدد من الخبراء والمتخصصين.

مكانة شعرية ونفي بسبب صداقة الأمير

مكانة إبداعية “بارزة ومتميزة” عرف بها الشيخ التهامي المدغري المعروف بـ”سي التهامي” (السيد التهامي)، يشهد عليها تقديم ديوانه، الذي يذكر فيه عميد الأدب المغربي عباس الجراري أنه كانت له “مكانة متفردة”، و”أتيح لقصائده أن تعرف ذيوعا وانتشارا واسعين، وأن تحتل حيزا كبيرا في ذاكرة الحفاظ والمنشدين وفي مجاميع الملحون وكنانيشه، كما أتيح له أن يحظى بعناية غير قليل من المؤرخين والدارسين الذين أولوا اهتماما خاصا للتعريف به”.

ويرجع أصل شيخ الملحون هذا إلى امدغرة بتافيلالت، ونشأ وترعرع وعاش في مراكش، ثم في فاس “حيث كان يختلف إلى حلقات الدرس في جامع القرويين، برفقة الأمير محمد بن عبد الرحمن الذي كان صديقا ملازما له، حتى بعد أن ولاه الخلافة والده السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام”.

وسجل الجراري أن السلطان الوالد كان “يضيق بالعلاقة التي كانت تربط الأمير بالشاعر، لما قد يكون لها من تأثير سلبي عليه وهو يُهَيَّأ لولاية العهد؛ مع العلم أن المولى عبد الرحمن نفسه كان من هواة نظم الملحون، على ما يروج بين الأشياخ”.

ويورد التقديم ما يحكى عن سؤال السلطان عبد الرحمن أحد وزرائه عن سير دراسة ابنه ليجيبه “بين الشقي والعاصي وملذذ المعاصي”، قاصدا بملذّذ المعاصي صديق الأمير التهامي المدغري، وهو ما انتهز الشاعر إحدى جلساته مع السلطان للرد عليه قائلا “بل أنا ملذذ المعاني يا مولاي”.

رغم هذا، ذكر التقديم أنه “لما تفاقم أمر سيدي محمد أيام والده في عدم الاشتغال بالعلم ودوام مخالطة السي التهامي المدغري والانكباب على الشعر، أمر والده السلطان بنفي السي التهامي إلى فاس”.

هذا الفراق بين الصديقين الحميمين نتجت عنه قصيدة “المفروق” التي كتبها الأمير، وأجاب عنها التهامي المدغري في نظم آخر.

المدغري الذي لم يدرك عهد سلطنة صديقه، حيث توفي بفاس في أواخر خمسينات القرن التاسع عشر، نسبت له قصائد قالها محمد الرابع لمّا كان أميرا “لم يكن يريد أن يعرف والده ولعه بنظم الملحون؛ فكان-على غير عادة أشياخ هذا الفن-لا يذكر اسمه في شعره”.

عميد شعراء المرأة

أبدع التهامي المدغري في الملحون “ولا سيما في موضوع المرأة، وكان له فيه قصب السبق، إن لم أقل إنه كان أميره وعميده بلا منازع، وفق ما تكشفه القصائد والسرارب التي كان بارعا في نظمها”، حسب المشرف على لجنة الملحون بأكاديمية المملكة.

وتابع الجراري: “وأما القصائد (…) فقد برز فيها المدغري، ولا سيما ما كان منها في الغزل الذي كان في فترة نشأة الملحون محظورا ومتهما من يحاول النظم فيه، على حد ما وقع لمحمد بن علي بوعمرو الذي لقب بـ”العاشق”؛ وإن وصفه بعض معاصريه بالفاسق والزنديق”.

لكن “هذا الحظر”، ما لبث أن زال، وفق الجراري، “مع شعراء كبار دافعوا عن بوعمرو فيما بعد، كالشيخ الجيلالي امتيرد (…) ومن بين المنصفين (…) إن لم يكن على رأسهم التهامي المدغري”.

كما نظم المدغري “الشعر السياسي المرموز” مثل قصيدة “النحلة”، التي كتب رئيس لجنة الملحون أن الشاعر في قسمها الثالث “أبدع في الحديث عن مملكة النحل، وكيف يخدم وزراؤها ملكتهم بصدق وإخلاص وبدون غش أو طمع، يُعرِّض بالواقع الذي يعانيه الملوك في تسيير دولهم بسبب دسائس وزرائهم وخيانتهم وسعيهم إلى تحقيق الأغراض الخاصة على حساب مصالح الرعية”.

وأكد تقديم الديوان أن التهامي المدغري في كتابته الشعرية “برع في نمطيه المعرَب والملحون”.

ديوان المدغري

يوثق ديوان الشيخ التهامي المدغري الذي جمعته وأعدّته لجنة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، وصدر ضمن موسوعة الملحون، 117 قصيدة، معظمها في الغزل، أو ما يسمى بـ”العشّاقيات”، إلى درجة يكاد معها أن يكون “ما نظمه في غير هذا الموضوع محدودا ومعدودا”.

ومن بين ما كتبه الشاعر في العشق: “الطالبة”، “زنوبة”، “اخديجة دابل الغناج”، “مفتاحة”، “جلب الدامي سراح”، “طالق المسروح”، “حرب الخال والخلال”، “المأسور”، “مسعودة”، “ما انظرت اغزالي زهرة”.

كما كتب في العشق: “ناس السودان”، “ازهيرو دابل الاشفار”، “امينة باشة الابكار”، “البتول أو المرسول”، “اصفية”، “أم كلثوم”، “خال وشامة”، “الزهو في ابنات وشبان”.
وفي المديح كتب التهامي المدغري: “أطه يا طيب الدكر”، “الادريسية”، “هاج وجدي”. ومن بين ما نظمه في الربيعيات: “العرصة”، “الصبوحي”، “الفجر”، و”ذهبية الصباح”.
ومن خمريات المدغري “الساحي” و”الدالية” و”الخمارة”، ووردت في ديوانه قصائد مختلفة غير مصنّفة مثل “الغيثية”، وقصائد في مدح السلطان، فضلا عن قصيدته “السياسية”: “النحلة”.

من ملحون الشيخ

في قصيدة “النحلة” كتب الشاعر حوارها ودوّن أجوبتها وحكمها: “ويلا عَمْر الشَّهْد بالخْزِين انْوَرِّيه أصاح صيلَة الكُرمَة الاحرارْ // من جاب الدُّخّان والجمَر / يَتْكافى بالإحْسان من دون امرارَة // وكداك النَّخْلَة حبِيبْتي مثل جواد الحَلم والفْضَل مُولاةْ الدُّكَّار // لُو تَرْميها حق بالحْجَر / تَعطيك الخِير والاتْمار المَخْتارَة”.

إلى أن تُسأل النحلة فتستمع: “قُلت لها وسباب طاعَة جنُودَك للملك كافَّة الكْبار والصْغار // لا حِيلَة لا غَشْ لا انْكَر / عَنْد الكَلْمة يحَققُوا كُل يشارَة // ما يَبنِيوْا حَتى يسَبقوا دار المُلك على السَّاس حُصن اسْوار والادوارْ // وابطال العَسَّة على النمَر / ما تَرْقُد ما تْنُوم سَربَة بَطَّارة”.

ثم تجيب: “قالَت ما عَندي اوْزير طمَّاع إيداري هَل المال ولوْ يكُونوا كُفَّار // واللِّي هو مَوْسُوم بالفْقَر / لُو كان أبّاه يَرْميه اللَّقْفارَة // السُّلطان طبِيب والرْعِيَّة مَضرُورة لا اوْزير ليه يبَلَّغ الاخْبار // ويجيب الشَّرب لمن تضَّر / وِيْلا خان الوْزير بَعْدات المْزارَة”.

وفي خمرية “السّاحي” كتب الشاعر: “أساحِي يَكْفاك من السحُو مالك ساحي ما صبيت ما مالت بيك ارْياح // ما جَرَّعت اكْيُوس كافْحَة / ما عنَّقْتي ارْيام زَهْوَة وشباحَة // ما شَمّيت انْسايَم الفْجَر حين يقْبَل امْباسَم الزهَر تطّافَح في اللقاح”، وحربتها، أي لازمتها: “فيق أساحي عَلَّم الفْجَر طاب اغْراب الدّاج طابَت الخَمْرة كُب الرّاح // بوجُود الوَجْنَة الواضْحَة / ما كيفْ الرّاح بين الملاحْ امْراحَة”.

ويذكر الناظم في آخر أبيات القْصيدة: “شَفْت السّاحي شرب كُل شي سَلَّكا انْهاري وخَفْت لا يَشْرَبْني يا صاح // واختَمت ابياتِي الرّاجْحَة / وسلام الله لدهات الرجاحَة”.

وفي عشقية “راحة” التي حربتها “وسباب اجْراح كِيْتِي الهْلال الوضَّاحِي / سُلطانة المْلاح // تاج الهِيفات عارْمِي بونَجْلات الرّاحَة”، كتب الشاعر: “أمن ادْرى يا البْنات كان نَبرى من سَم اجراحِي / ونواحي وجياح // وعدابي وغرايبي وهَجري وانصِيب الرّاحَة // ولا نَبقى بينْكُم عاطَل مَكْسُر أجْناحي / في مسايا وصباح // من نار الشُّوق والغرام اجْماري لحْلاحة // نَتْقَلَّب مثل المريض في هوايا مانِي ساحي / سكران بلا راح // ودمُوعي في الخَد فايْضَة ما تَسْحى كَفَّاحة // وعقِيلي مَدْهول ما نصيب الصَّبْرَة يا صاحي / هايَم على البْطاح // دِيما جَيْش البْها وخِيل الهَجْرَة طفَّاحة // حلَف ياوِيل بُوه عَمْرُه لا طَلْقْ اسْراحي / مَن رَشْڭات الالماح // مَتْخَلْخَل هَيجان والَع مزَلَّغ دُون مراحة”.

إلى أن يقول في ختامها: “كِيف ندِير انْفارَق لبدي صال على المْلاحي / وارباوا في الشْراح // كابر على الخْنات ما يَعْرَف بالطَّبع انْجاحَة // بالضَّفرة والقَد والسْوالَف وعيُون سلاحِي / وخدُود في تَوضاح // والنِّيف المنكاد والاسْنان جواهَر وضَّاحة // وشفايَف مرجان رِيقْهُم من عصِير جباحِي / والرَّڭْبَة صِيَّاح // والصّدر المَوْشُوم والنْهُود الرّاوي تفّاحة // والبَطن الطَّاوي على العْكُون وافخاد في تَلواحِي / والسِّيقان جياحَة // واقْدام إيْسَلْبوا عقُول ناس الخِيلا الصلّاحَة // يا رَبِّي يا مولاي يا الغَنِي عن فعل اقباحِي / غفر يا سمَّاح // من قصد الجْواد ما يصِيب في معطاه شحاحَة”.

أما “الغيثية” فقال فيها: “جودْ المولى اطْفى القَحْط اللَّحْلاحْ / ربْ رزّاق اشْباح ارْواحه // وَهّاب ولا يمَن يَعْطي من غِير اشْحاحَة // غني مُغيث كُل من جا براح / حي مُجيب يسمَع ابْراحُه // بعْفُوه يحَن ويجاوَز بسْماحَه”، كما كتب فيها: “وضحكت الأرض بالمْزان النُّوّاح / كل ثُغْر اتبسَّم بالْقاحُه // وعبقَت انْسُوم طِيب بانْسايَمها فِيَّاحَة”، إلى أن يقول: “اصبَحْنا بالكريمْ الأكْبَر / بالنَّعْمَة في العْدِير // وارشى مُدْ الغْلاء وانْكْسَر / وامشى عُمْرُه قصِير // غَلْبُه جيش الرخا وشَمَّر / وهرَب من كُل دير”.