Morocco
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

دراسة: "أحداث 16 ماي" تغير نظرة السلفيين المغاربة إلى العمل السياسي

قال الباحث المغربي عبد الحكيم أبو اللوز، أستاذ القانون العام بجامعة ابن زهر أكادير، إن تفجيرات 16 ماي 2003، بمدينة الدار البيضاء، أفرزت اتجاهين في السلفية المغربية، بعد أن وجد رموز التيار السلفي أنفسهم تحت ضغط إيجاد التبريرات لمواقفهم المتشددة واختياراتهم الفكرية.

الاتجاه الأول الذي أفرزته الأحداث، بحسب دراسة أنجزها أبو اللوز، حول موضوع “السلفية الدعوية في المغرب ومسارا الراديكالية والاعتدال”، هو اتجاه تقليدي دفعه النقاش الذي أعقب تفجيرات الدار البيضاء إلى المزيد من التصلب، بالدفاع عن توجهه والتصدي للسهام الموجهة إليه، سواء أكانت من السلفيين الإصلاحيين أم من الجهاديين.

أما الاتجاه الثاني، كما جاء في الدراسة المنشورة في مجلة “لُباب للدراسات الإستراتيجية والإعلامية”، فتكون من “سلفية جديدة تحاول إعادة تفسير بعض نصوص التراث السلفي بالتركيز على جوانبه المتسامحة القليلة والمهملة”.

ويضيف الباحث أن خطاب السلفية الجديدة لوحظت عليه “نزعته الذرائعية القوية، التي تظل هامشية بالنظر إلى رسوخ النظرة السلفية التقليدية في الأذهان”.

وتوقف أبو اللوز عند واقعة إغلاق السلطات المغربية مقرات دور القرآن التابعة للتنظيمات السلفية، عام 2008، بداعي عملها المعاكس للاختيارات الرسمية في العقيدة، معتبرا أن الواقعتين المذكورتين جعلتا السلفيين المغاربة يدركون أهمية أن تكون لدعوتهم أذرع سياسية وحقوقية، “وقد تطلب منهم ذلك تغيير قناعاتهم الرافضة للعمل السياسي والتنظيمي”.

“السلوك الجديد” للتيار السلفي، كما سماه أبو اللوز، بدأ في المشاركة في مسيرات “حركة 20 فبراير” سنة 2011، ثم “الترحيب الكبير بالآفاق التي فتحها الخطاب الملكي عن التعديل الدستوري وتصويتهم لصالحه؛ ثم تأسيس السلفيين كيانات حقوقية، ومنها اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، والتعامل مع كيانات أخرى، بغية رفع الضيم الذي لحق السلفيين”.

وخلص الباحث المغربي إلى أن أحداث الدار البيضاء “غيّرت في الواقع من قناعات السلفيين بخصوص العمل السياسي الذي كانوا يختصرونه في مبدأ عدم الخروج على ولي الأمر، ما جعلهم يعيدون النظر في عملهم بتطوير آليات أخرى، وأهمها الآليات السياسية والحقوقية”…

ويرى أبو اللوز أن السلفية الدعوية هي “راديكالية” إلى حد بعيد، بحيث تكون تعاليمها مجموعة منغلقة من الشعائر والموجبات والممنوعات تنبني على ما يشكل حجر الزاوية في كل ديانة، أي الفرق بين المقدس والمدنس.

ورغم ذلك، يردف الباحث ذاته، فإن التجديدات المتلاحقة تفرز مواقف جديدة “تُخرج الراديكاليات من طبيعتها، ليجري السير بالتنظيم إلى حركات فكرية تصحيحية تهدف إلى إحداث التغيير في إطار الواقع ومُمكناته”.

وبسبب هذه “الراديكالية”، يضيف المتحدث، “تبقى العقائد الدينية عصية على التغيير وتتحول بسبب ذلك إلى إيديولوجية باردة وفاترة، لكن اصطدامها بالواقع يدفع كثيرا من المجددين إلى إحداث نوع من ‘المراجعة المستمرة’، التي يخفونها تحت ستار شعار ‘الاعتدال'”.

غير أن التغيير الذي يقوم به بعض المجددين يظل سقفه محدودا، فعندما يصبح التفاوت كبيرا بين المراجعة وبين المنطلقات الدينية، كما يرى أبو اللوز، فإنه “يوجد دائما بعض المؤمنين الذين ينهضون ضد هذا التغيير الذي يعدّونه خيانة”، ويضيف أن “هذا التضاد يفضي إلى انفجار وعاء السلفية، ويصبح واقعها متسما بالتعدد، فتظهر مجموعات كثيرة من المنتسبين إلى السلفية تختلف مواقفهم من الواقع إلى درجة التناقض أحيانا”.

كما اعتبر الباحث أن التصلب العقدي يؤدي بالسلفيين إلى “تصلب فكري يفتقر إلى المرونة وإلى القدرة على بحث الأمور من جوانب متعددة ومنظورات ومستويات شمولية، ويحجب الرؤية النسبية في الأشياء والظواهر لصالح الاقتصار على ذمّ الحقائق التي تتعارض مع الحكم المسبق الذي تحمله العقيدة عن الشيء”، ويوضح أن “انغلاق الخطاب السلفي يكمن وراءه هدف محدد، ذلك أن له وظيفة جوهرية تتمثل في كونه قناة يتم عبرها الحفاظ على تماسك الإيديولوجيا، وحمايتها من التجديدات التي تظهر على خطابات دينية أخرى”.

ويردف أبو اللوز بأن التصلب العقدي يسم مختلف الأنشطة السلفية بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن مظاهر ذلك أن معظم دروس الطائفة موجهة نحو التحذير من البدع والطوائف المتبنية لها بشكل ينتج عنه هجوم شرس على مجموعة من صيغ الإسلام.

واستعرض الباحث المغربي عددا من صيغ الإسلام التي تهاجمها السلفية، ومنها الإسلام الشعبي متمثلا في ما ترسب في المجتمع المغربي من عادات دينية، مثل الاحتفال بعيد المولد النبوي، وزيارة المقابر، و”الحضرات” الصوفية وتقديس الأولياء، وغيرها من المظاهر التي يعتبرها التيار السلفي منافية لإسلام السلف.

ورغم أن السلفيين المغاربة أعادوا النظر في عملهم، بعد تطورات 2003 و2008، وطوّروا آليات أخرى، سياسة وحقوقية.. فإنهم عملوا على تفادي أن يظهر نقدهم الذاتي صدى للانشقاق التنظيمي، فحاولوا، يردف أبو اللوز، “التأصيل للمرونة من باب أنها ليست تنازلا عن مقتضيات المذهب”، وأوضح أنه بعد أن كان الاجتهاد عند السلفيين لا يعدو كونه قياما بعمليات متواصلة من النقد الشديد الذي يتم على التقليد ومحاكاة ما يعتبرونها نماذج صحيحة، أصبح يعني التقليل من حدة النقد وعدم توظيفه خارج الضوابط العلمية والمحددات الشرعية، لافتا إلى أن النقد، في كلتا الحالتين، “لا يعني التنازل عن شيء من المذهب”.

ويخلص الباحث ذاته إلى أن “التراث السلفي لا يحتفظ بالكثير من الأفكار التي يمكن أن تستند إليها النزعات المتسامحة الجديدة؛ لذلك تقتصر عمليات النقد والمراجعة على ملامسة سطح الخطاب دون المساس بأصول المعتقد وجوهر الفكر، ولا تهدف في نهاية المطاف سوى إلى ضمان ديمومة المعتقد، وفتح منافذ أمام الانسدادات التي وصل إليها الخطاب”.